تونس- بين سلطة قوية وموات سياسي و"دولة عميقة" بثوب جديد

كيف انحدر المشهد السياسي التونسي إلى هذا الدرك من الهزال والضعف والتصدع، وصولًا إلى ذلك الفراغ المهول الذي يخيّم على أروقة السلطة، وعلى معاقل الأحزاب والتيارات المعارضة لما يسمى "المسار التصحيحي" الذي يقوده الرئيس قيس سعيد؟ كيف تمكن بقرار رئاسي واحد من الإطاحة بـ "دستور الثورة" – كما كان يُطلق عليه (دستور 2014) – وإغلاق البرلمان المُنتخب، وزَجّ برئيسه، راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، في غياهب السجون، وتقييد حرية من يُنظر إليهم على أنهم "رموز الديمقراطية" في تونس، وبعض قادة "مواطنون ضد الانقلاب"؟
كيف لنا أن نفهم هذا "الجمود السياسي" المريع الذي تعيشه البلاد منذ قرابة الثلاث سنوات، والذي يستحضر في أذهان البعض صورة السنوات الأخيرة من حكم الحبيب بورقيبة، عندما بلغ "المجاهد الأكبر" – كما كان يُنادى – مرحلة من التدهور العقلي، مكّنت الأصوات المتطرفة في السلطة آنذاك من التضييق على معارضي الحكم، وتمهيد الطريق لخلافته من قبل رئيس الوزراء زين العابدين بن علي، في ترتيبات داخلية وخارجية واضحة المعالم؟
المثير للدهشة أن هذا "الركود السياسي" لم يترك بصمات واضحة حتى في عهد الرئيس الراحل بن علي. فبالرغم من القمع الذي مارسه نظامه في مجال الحقوق السياسية والحريات، إلا أنه كان هناك متنفس ضئيل، يسميه البعض "هامشًا"، يسمح للجسم السياسي بالتنفس من خلاله، خاصة بالنسبة إلى "المعارضة الديمقراطية"، بقيادة ثلاثة أحزاب رئيسية، هي: "الحزب الديمقراطي التقدمي"، و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"، و"المؤتمر من أجل الجمهورية"، بالإضافة إلى امتداداتها في الأوساط الحقوقية، وعلى رأسها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ومجلس الحريات، وبعض الأصوات الفاعلة في قطاعي المحاماة والقضاء.
كيف وصل المشهد السياسي التونسي إلى هذه النقطة الحرجة، التي تنذر بالانزلاق إلى هوة سحيقة لا يعلم أحد مداها؟
المنحنى والهاوية
يرى العديد من المحللين أن ما يحدث اليوم يختلف جملة وتفصيلاً عما سبقه. فنحن أمام سلطة "متصلبة" يجسدها الرئيس قيس سعيد، ومن يعاونه من أجهزة معروفة، وحلقة ضيقة من المقربين، لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين على أقصى تقدير، في حين تبدو آلة السلطة ضخمة ومهيمنة، ولها عيون وآذان في كل مكان. بل هي "قادرة" – نعم قادرة – على الفعل والتنفيذ، حتى لو تعلق الأمر بسحق الخصوم السياسيين عن بكرة أبيهم.
هذا السحق يعتبره الرئيس سعيد "حربًا ضروسًا على الفاسدين"، وتطهيرًا للبلاد من "الخونة" و"المتآمرين"، بينما يراه خصومه "انقلابًا سافرًا على الانتقال الديمقراطي"، و"نكوصًا" غير مسبوق على الثورة، من طرف شخصية كانت في صميم النخب، وأحد المستفيدين من نتائجها السياسية (النظام الديمقراطي بكل مظاهره الدستورية والقانونية والسياسية).
تلك الثورة التي أشعل فتيلها شباب غاضب، هتفوا بشعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لكن النخب الصاعدة بعد الثورة عجزت عن تحقيقها والاستجابة لمطالبها، ليأتي سعيد، بدعم من هؤلاء "الفاشلين"، لاستئناف مسارها، كما يكرر في كل مناسبة.
ما إن يبدأ المرء في تحليل الوضع التونسي الراهن، قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول القادم، حتى يجد نفسه محصورًا بين هذين المنظورين المتعارضين، جوهرًا ومعنى، بين السلطة والمعارضة. فلكل منهما قاموسه ومفاهيمه وخلفيته السياسية، لكنهما يتفقان على شيء واحد، وهو: أن "التلاقي مستحيل"، إن لم يكن ضربًا من الخيال.
ولكن كيف وصلنا إلى هذا المنعطف الخطير الذي يطل على هاوية لا قعر لها، كما يرى العديد من المراقبين، ولا أحد يعرف عمقها، ولا المصير الذي ينتظر أولئك الذين سيهوون فيها دون رجعة؟
"الدولة العميقة" في حلة جديدة
الحقيقة التي يتحاشاها الكثير من المعارضين ونخب ما بعد الثورة، بل ويرفضون الاعتراف بها، هي أن سلطة الرئيس قيس سعيد قد حققت نجاحًا ملحوظًا في ثلاث قضايا على الأقل، ذات أهمية قصوى:
إعادة بناء العلاقة مع الدولة العميقة: كان هناك صدع واسع بين النخب السياسية التي حكمت بعد ثورة 2011 وبين الدولة العميقة بأجهزتها ومؤسساتها وتقاليدها وعلاقاتها الخارجية، و"عصبيتها" القوية (وفقًا لمفهوم ابن خلدون) الممتدة من المثقفين إلى الأكاديميين، مرورًا بشريحة كبيرة من الإعلاميين، وشخصيات بارزة من السياسيين والحقوقيين.
لذلك عمد قيس سعيد منذ البداية إلى إعادة صياغة هذه العلاقة، ليضمن لنفسه مكانًا في منظومة الدولة العميقة، التي تمتلك – بلا شك – رؤيتها الخاصة وتقييمها للأحداث التي شهدتها البلاد، وتصورها لما يجب أن يكون عليه الوضع في المستقبل. وقد وجدت الدولة العميقة توافقًا كبيرًا مع "الرئاسة" في العديد من التوجهات والمقاربات. فتعاونت مع الرئيس، وهو ما يفسر "الصلابة" التي يتميز بها خطاب قيس سعيد، والثقة الهائلة التي تتجلى في تعبيراته وقراراته.
في تركيا، عندما وصل الرئيس رجب طيب أردوغان إلى السلطة، كانت أولى مهامه لتمكينه من الحكم، هي إعادة النظر في ملف الدولة العميقة وآلياتها ومكوناتها وشخصياتها والقوى المهيمنة فيها، وهو ما سمح له بالسيطرة على زمام الأمور، وهو الأمر الذي لم تفعله النخب التونسية الحاكمة خلال العقد الماضي.
لقد استوعبت الدولة العميقة الثورة التونسية فهمًا وتعمقًا، فلم تنخرط فيها بشكل كامل، ولم تنفصل عنها تمامًا، بل حافظت على مسافة آمنة، مكنتها من رؤية الأمور بمنظور مختلف عن النخب التي غاصت في الجدل السياسي، وتقاسمت غنائم الحكم، وتمركزت في مفاصل الدولة، دون أن تتمكن من التأثير فيها، وظلت بذلك على هامشها، وهي في صميمها.
لا يزال يتردد في أذهاننا قول الأستاذ راشد الغنوشي في بداية عام 2012، عندما صرح في تسريب صوتي ومرئي أمام حشد من زواره: "نحن لا نحكم.. لأن الجيش غير مضمون.. والقضاء ليس معنا.. والإعلام ضدنا". وهي عبارة قيلت في بداية حكم الطبقة السياسية الجديدة، وعملت أوساط الدولة العميقة على ترسيخها كحقيقة وواقع لا يقبلان الجدل.
ما الفائدة من أن تكون على رأس السلطة وأنت في قطيعة تامة مع أجهزتها ومكوناتها الأساسية؟
هذا ما أدركه الرجل القادم من خارج السياق السياسي التقليدي، ونعني هنا قيس سعيد، وعمل على أن يكون هذا هو مصدر "قوته"، بغض النظر عن تقييمنا السياسي والحقوقي لهذه القوة.
الحقيقة التي يتهرب منها الكثير من المعارضين ونخب ما بعد الثورة هي أن سلطة الرئيس قيس سعيد قد حققت نجاحًا في ثلاث قضايا على الأقل، ذات أهمية قصوى.
الوفاق "المغشوش"
عمليات الوفاق السياسي التي جرت بين العائلات السياسية – وخاصة الإسلاميين – وجزء من العلمانيين (اليسار المعتدل)، والنظام القديم (رجال ما قبل الثورة)، كانت مجرد تسويات هامشية، لم تستند إلى مشروع سياسي واضح، ولا إلى أجندة وطنية توافقية، ولم تؤطرها مؤسسات سياسية، يمكن أن تكون بمثابة الأطر التنظيمية والهيكلية، التي من شأنها تنظيم العلاقات والأدوار والمهام. بل إن خطاب الطرفين لم يكن متناسقًا، وشهدت العلاقة بينهما مدًا وجزرًا، سواء في عهد ما عُرف بـ "الترويكا" في بداية الثورة، أو لاحقًا، في التحالف بين (حركة النهضة) وحزب (نداء تونس) بعد عام 2014، وصعود الراحل الباجي قايد السبسي إلى الرئاسة.
لذلك، لن يتردد العديد من المراقبين في وصفه بـ "الوفاق الزائف"، الذي لم تجن منه تونس ولا ثورتها سوى المناكفات الحزبية والإيديولوجية، والفشل في تحقيق أي إنجاز، اقتصادي أو اجتماعي، على الرغم من كل ما قيل عن العراقيل التي وضعت في طريق القطار الذي انطلق للتو.
وبطبيعة الحال، استغل الرئيس قيس سعيد هذا الوضع، واتخذ من الفشل في التوافق ذريعة إضافية للتأكيد على أن ما حدث في "العشرية السوداء" كان عبثًا سياسيًا مارسته الأحزاب، لتبرير إقدامه على عملية إضعاف ممنهجة للأحزاب، التي أظهرت – للحق – حالة من الضعف التنظيمي والهيكلي في بنيتها السياسية، بحيث لم تظهر بنفس القوة والنضالية التي كانت عليها قبل وقوع "الانقلاب".
لقد كانت عملية "إنهاء الأحزاب" هي الخطوة الضرورية لتغيير أسس المشهد السياسي، الذي أصبح اليوم رهنًا بفعاليات اجتماعية من أطراف المدن والمحافظات، في إشارة تهدف إلى تأكيد "الديمقراطية القاعدية" التي يبشر بها رئيس الجمهورية، بل وانطلق – فعليًا – في ترسيخها عبر "المجالس المحلية" و"مجالس الجهات والأقاليم"، التي شكلها مؤخرًا عبر "انتخابات قاعدية" معقدة أنتجت "نخبًا" جديدة ووجوهًا مستحدثة لم تعرفها العشرية السابقة، وهي اليوم تتصدر المشهد الخلفي للحكم والمؤسسات التنفيذية والتشريعية بالأساس، وتخلط توجهاتها مع توجهات الدولة العميقة بتجلياتها المختلفة.
عندما يتأمل المرء المشهد الانتخابي الراهن، يلاحظ أن أكثر من 95% من المرشحين للانتخابات الرئاسية هم من خارج الأحزاب تمامًا، بل إن ما يعرف بـ "المرشحين الجديين"، الذين قد يكونون منافسين أقوياء للرئيس الحالي، مثل الوزير السابق منذر الزنايدي، والناشط السياسي عماد الدايمي، رئيس "مرصد رقابة" لمكافحة الفساد، وهشام المدب، العميد السابق في الجيش ووزارة الداخلية، لا يمثلون أحزابًا، ولم يعلن أي طرف سياسي ترشيحهم أو دعمهم من بين الأحزاب المعروفة. حتى الأستاذ غازي الشواشي، المعتقل السياسي حاليًا في قضية "التآمر على أمن الدولة"، ترشح من سجنه بشكل فردي، وأعلن حزبه (التيار الديمقراطي) ترشيح شخصية أخرى من داخل الحزب.
لا عجب إذن أن يردد بعض الأكاديميين اليوم مقولة "نهاية الأحزاب" في تونس، على الرغم من أن هذا الحكم متسرع، لأن هذه الأجسام الوسيطة لا تنشأ بقرار، ولا يتم إلغاؤها بقرار سياسي أو بحكم قضائي، فهي تعبير اجتماعي بالأساس وفقًا للمعايير السوسيولوجية المعروفة.
عندما تشتت الأحزاب، وتآكلت قوتها، ودخل بعضها في طاعة السلطة، وظل البعض الآخر منقسمًا ومتناحرًا، كان ذلك جزءًا من خطة استثمرت فيها السلطة خلال السنوات الثلاث الماضية، وهي اليوم تحصد مع هذه الانتخابات ما كانت تصبو إليه وتتمناه.
إن ما يجري اليوم شيء مختلف تمامًا؛ إذ إننا أمام سلطة ‘قوية’ يرمز إليها الرئيس قيس سعيّد
"الانتقال الديمقراطي": الفريضة الغائبة
كشفت الإجراءات والخطوات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد منذ لحظة "25 يوليو/تموز" الانقلابية، كما يصفها خصومه وعلماء السياسة، أن "الانتقال الديمقراطي" في تونس كان هشًا للغاية.
فالأحزاب التي نادت به، وتأسست على خلفيته، وتلك التي ظهرت على تخومه وهوامشه، لم تكن على قدر المسؤولية الديمقراطية ومتطلباتها.
والمؤسسات التي ولدت في مناخ "الانتقال" لم تكن بالصلابة التي يتطلبها الوضع.
والدعم الخارجي كان مرتبكًا ومترددًا، باستثناء السنوات الأولى للثورة، قبل أن يدخل "الخارج" في لعبة حسابات جديدة، وفقًا لتحولات المنطقة وتوجهات رياح المصالح على الصعيد الدولي، ومتطلبات المرحلة، مما أفقد "الانتقال الديمقراطي" منابع تمويله ودعمه، كما هو الحال مع كل التحولات السياسية التي تدعمها الدول والشعوب والمنظمات الدولية والجهات المانحة.
مع الدور الهائل الذي لعبته الأحزاب والمؤسسات الإعلامية والمنظمات النقابية في إضعاف شوكة الحكام منذ عام 2012، بطرق مختلفة ومتنوعة، وبدعم مالي خارجي سخي لإفشال "النموذج التونسي"، حتى لا يتحول إلى مثال يحتذى به من قبل الشعوب العربية الأخرى التي كانت تراقب التجربة وتراها جديرة بالاتباع، على الرغم من بعض الخصوصيات المجتمعية المختلفة، فإن أي "انتقال"، مهما كانت النوايا الحسنة للعاملين فيه، سينتهي بالفشل، أو على الأقل بالتعثر. فالنوايا الحسنة وحدها ليست كافية لبناء الديمقراطيات وتغيير أنماط الحكم.
لقد أصبح الانتقال الديمقراطي خارج السياق السياسي الراهن مع اقتراب موعد الحملة الانتخابية لـ "الرئاسيات"، إذ لا يوجد ذكر لهذا الانتقال على الإطلاق في خطاب المرشحين، باستثناء المرشح عماد الدايمي، الذي يعتبر أحد صانعي هذا الانتقال وأحد أبرز مؤسسيه ضمن تحالف "الترويكا" في عامي 2012 و2013، في كنف رئاسة الجمهورية، جنبًا إلى جنب مع الرئيس محمد المنصف المرزوقي، ليصبح هذا الاستحقاق مجرد ذكرى تاريخية – أو هكذا يبدو – تمامًا كما أرادت السلطة القائمة حاليًا، وكما خططت لذلك منذ بداية الانقلاب.
تتفق بعض التحليلات السياسية حاليًا على أن استئناف "الانتقال الديمقراطي"، إذا كان المرء متفائلًا للغاية، لن يحدث إلا بعد نهاية حكم الرئيس قيس سعيد، الذي من المتوقع أن يستمر في ولاية جديدة، وفقًا للعديد من المؤشرات، سواء من حيث عدد المنافسين له – حيث بقي اثنان في السباق "الرسمي" بعد استبعاد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات جميع "المرشحين الجديين" – أو من خلال عملية "التطهير" الجارية في المشهد السياسي والنقابي، مما جعل الأرضية مهيأة لفوز سعيد بالانتخابات، حتى لو كان ذلك بأصوات أقل بكثير من تلك التي صعد بها في عام 2019.
إعادة تركيب المشهد السياسي
إن ما أقدمت عليه السلطة منذ 25 يوليو/تموز 2021 لم يكن – كما يتصور البعض – عملًا فرديًا، بل كان تعبيرًا عن توجه الدولة العميقة –(والقوى المتشددة تحديدًا) والدائرين من حولها، و"العصبيات" المحيطة بها، من بعض القوميين (الناصريين)، وما يسمى بـ "اليسار الراديكالي"، وشخصيات وداعمين من "الهامش" – الذين يجدون في المناخ الجديد وفي تطلعات رئيس الدولة، حاضنة وإطارًا مناسبًا لترسيخ مقولاتهم وأفكارهم، حتى لو وصفها البعض بأنها فارغة ولا قيمة لها.
بهذه الطريقة تمكنت السلطة الجديدة، بقيادة الرئيس الحالي، وبسرعة قياسية، من إعادة هيكلة المشهد السياسي على النحو الذي "جمد" فعليًا "ثورة الياسمين"، بأحزابها القديمة والجديدة، ومؤسساتها الإعلامية التي ينخرها الفساد المالي والسياسي، حيث تجري اليوم محاسبة بعض المتحدثين باسمها وأبواقها، الذين تصدروا المشهد خلال السنوات العشر الماضية، والمنظمات والهياكل التي لعبت أدوارًا ومهامًا أقل ما يقال عنها أنها "مشبوهة"، عجزت منظومة الانتقال الديمقراطي عن الحسم فيها، بسبب تردد قراراتها، وغموض حساباتها، وسوء تقديراتها.
لكن منظومة "البناء القاعدي" لم تتردد في شن الحرب عليها، حتى لو كان ذلك على حساب الحريات والحقوق المدنية والسياسية، مستفيدة من الغضب الشعبي العارم على المرحلة السابقة، ومن انكفاء "الخارج" عمومًا، في ظروفه الداخلية، وفي الحرب على غزة، والحرب الروسية الأوكرانية.
بالتأكيد، قد يثير هذا التقييم غضب النخب السياسية الديمقراطية من إسلامية وعلمانية وليبرالية، التي ما زالت تتهرب من الوقوف أمام المرآة، لاكتشاف ذاتها من جديد.. الذات التي أوصلت – بخياراتها وسياساتها – الرئيس قيس سعيد إلى الحكم، وقد وجدت نفسها اليوم بين المنافي والسجون و"الإجازات السياسية"، ولا تفعل سوى إطلاق "صرخات ديمقراطية" و"ندب للحرية"، وهي تراقب ولاية جديدة محتملة للرئيس التونسي، بينما تنتظر "مفاجآت" اللحظات الأخيرة، في نوع من "الوهم الكاذب" الذي غالبًا ما حطم أحلامًا وآمالًا وتطلعات كثيرة خلال العقد الماضي.
هذا هو القاع الذي تجرى عليه الانتخابات الرئاسية اليوم في تونس، لمن يريد أن يكون له موطئ قدم في مستقبل العملية السياسية.. أما خارج هذا السياق، فهو ضرب من العبث ومجرد محاولة يائسة في الصحراء القاحلة.